السبت، 21 أبريل 2012

السلم الأهلي و نبذ العنف في القانون الأساسي والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان

تمهيد:-

عانت البشرية وعدد كبير من مجتمعات الأرض من مخاطر الحروب والنزاعات الداخلية التي هددت تماسك بنيانها الداخلي وعرضتها إلي أثار مدمرة علي كافة الصعد وبرغم من ذلك يبدوا ن البشرية لم تتعلم بعد من نتائج ما احدثتة النزاعات والحروب علي البشر فلا تزال تنهك حقوق وكرامة الإنسان في معظم إرجاء المعمورة وان بنسب متفاوتة وبرغم وجود الأمم المتحدة ومؤسساتها وبرغم انتشار قيم حقوق الإنسان والديمقراطية والحكم الرشيد إلا أن التحدي الذي يتعرض له العالم، والعالم الثالث علي وجهة الخصوص يتلخص في قدرته على التكيف مع المستجدات والمتغيرات الدولية، وبالقدر الذي يحرص على حقه في التنمية وحقه في السيادة على موارده الطبيعية ورفض الامتثال لسياسات إملاء الإرادة فإن تحقيق المشاركة السياسية في إدارة شؤون الدولة وإلغاء احتكار العمل السياسي والمهني وتأكيد حق الأقلية في المعارضة الذي هو حق أصيل، كما هو حق الأغلبية في الحكم، الذي يتأتى عبر صندوق الاقتراع والانتخابات الحرة الدستورية والاستجابة لمتطلبات العصر باحترام حقوق الإنسان وإشاعة الحريات الديمقراطية وتامين مستلزمات نمو المجتمع المدني.
بقينا لفترة طويلة نردد أن التقدم حتمي والنهضة آتية لا ريب فيها، ولكن الواقع المر الذي نعيشه يشير إلى غير ذلك، فلا نهضة دون عمل جاد وبدون كلل ولا نهضة بدون مشاركة الجميع في المسؤوليات السياسية والاقتصادية عن طريق الديمقراطية والتعددية فلا ديمقراطية بدون مؤسسات" الأحزاب السياسية، النقابات المهنية والعمالية ومنظمات حقوق الإنسان والصحافة الحرة وغيرها"، ولا تسامح في بلد لا يطبق الديمقراطية ولا يحترم حقوق الإنسان ،ولا تنمية بدون المشاركة الشعبية في التنمية، واحترام حقوق الإنسان عامل في التنمية الحقيقية، وتقرير التنمية البشرية يبرز أن النمو الاقتصادي يجب أن يتيح خيارات أوسع لكل إنسان وليس خيارات محدودة لبعض الناس أو خيارات متعددة لعدد من الناس.
وإذا كانت حقوق الإنسان والتنمية المستديمة والديمقراطية متداخلة مع بعضها وأي تقدم في أي منها يقود إلى التقدم في الجبهتين الأخريين فان التسامح واللاعنف الداخلي ركن أساسي في كل منها ولا سيما في وطننا الكبير، ونظرة على ما يجري وجري في العراق والسودان والصومال والجزائر ولبنان وبقية الأقطار تثير الحزن وربما الاكتئاب إذا ما نظرنا إلي واقعنا الفلسطيني المؤجج بالفلتان وربما المقبل علي فقدان جميع أركان السلم الاجتماعي، ولذا فقضية نبذ العنف الداخلي والفتان الأمني والتسامح قضية لا تقبل التأجيل، كما إن مقولة استخدام العنف واعتماد القوة العنفية كوسيلة لتحقيق الأهداف أو الاستئثار بالسلطة مقولة أثبتت فشلها الذريع على المدى الطويل، ولم يعد مقبولا، كون الوصول إلى الحكم والمشاركة فيه، لا يمكن أن يتم إلا عن طريق سلمي وديمقراطي، وكل توجّه آخر مرفوض جملة وتفصيلا خاصة في وضعنا الفلسطيني القابع تحت احتلال إجلائي يمارس جرائم العدوان اليومي علي شعبنا ومقدراته مهما كانت الذرائع المقدمة، كون المستفيد الأول من حالة الفوضى والفلتان الأمني والحرب الأهلية هو الاحتلال. وداخليا أثبتت التجارب في الحكم بان أي حزب يريد أن يفرض نفسه ورأيه على الجميع بالقوة والعنف هو حزب تسلطي قمعي.
وفلسطينياً اظهر رصد الإحداث اليومية وبصورة خطيرة حالة العجز والتدهور وسيادة ثقافة العنف في التفكير والممارسة لتصبح ثقافة العنف تسم طبع العلاقات الاجتماعية، لدرجة يلمس منها تراجع خطير لسيادة القانون والحوار و التضامن والتكافل والتسامح، لحساب شريعة الغاب والصالح الخاص والفئوية والعصبية القبلية وعقلية الثار والانتقام، لتصبح حياة المواطنين في المجتمع الفلسطيني متناقضة بين الأقوال والأفعال في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية. 

ظاهرة العنف ليست ظاهرة حديثة وليدة العولمة وإنما يعود تاريخها إلى المجتمع الإنساني الأول.. من حكاية قابيل مع أخيه هابيل. ومنذ ذلك اليوم وحتى يومنا هذا شهدت البشرية أصنافاً لا تحصى كمَّاً وكيفاً من مظاهر القسوة والبربرية.. و العنف.. التي سببت سلسلة من الكوارث المأساوية المتعاقبة، لأن العنف لا يولِّد إلا العنف.
وهذه الظاهرة الخطيرة تتنافى والفطرة السليمة وطبيعة التكوين البشري كما تتنافى وروح التعاليم الإلهية والشرائع السماوية، ومواثيق حقوق الإنسان باعتبارها مجتمعة تؤكد بوضوح أن الأصل في الحياة وفي معاملة الإنسان مع أخيه الإنسان، هو مبدأ السلم والعفو والتسامح، أما القسوة والعنف فهو الاستثناء والذي لا يلجأ إليه إلا العاجزون عن التعبير بالوسائل الطبيعية السلمية أو المتجردين من الإنسانية. 

الفلتان الأمني ومظاهر العنف في المجتمع الفلسطيني:-

تنامت ظاهرة الانفلات الأمني والفوضى والعنف الداخلي في أراضي السلطة الفلسطينية في الآونة الأخيرة، وبرزت بشكل صارخ في السنة الثانية من الانتفاضة الفلسطينية في العام 2002، فقد ظهرت أنماط وسلوكيات من الاعتداء على حكم القانون، واخذ القانون باليد، تنوعت صورها وتعددت أسبابها، كعمليات اغتيال أو محاولات اغتيال، طالت مواطنين وشخصيات سياسية أو حزبية أو عامة، وعمليات قتل مواطنين لأسباب مختلفة (ثأرية أو مادية أو عائلية أو أمنية)، وعمليات اعتداء طالت بعض رموز السلطة القضائية والمحامين، وعمليات اختطاف لشخصيات أكاديمية أو نقابية أو إعلامية أو أجنبية، وعمليات سطو مسلح على بعض المحلات التجارية، كما ظهرت أنماط من الاعتداءات المسلحة على بعض المؤسسات الحكومية والعقابية، وبعض المرافق العامة، ومعظم هذه الاعتداءات وقعت من قبل أشخاص مكلفين بإنفاذ القانون، أو على الأقل في ظل عدم قيامهم بدورهم في حفظ الأمن والنظام في المناطق التي يكلفون بحفظ الأمن والنظام فيها. وقد زاد من حدتها عدم وجود ملاحقة فعلية لمرتكبي هذه الأفعال، وعدم وجود محاسبة حقيقية لهم تقنع المواطن بتحكيم القانون.
مفاهيم أساسية:- 
ارتباطا بمقولة حدد مصلحاتك أقول لك من أنت لابد من التعريج علي بعض المفاهيم التي يراها كاتب الورقة ضرورية:-

مفهوم سيادة القانون: تأمين حماية حقوق الإنسان بالنسبة للأفراد والجماعات بشكل متساو، وكذلك المساواة بينهم في العقاب بموجب القانون، وتعلو سيادة القانون على سلطة الحكومات. فهي تحمي المواطنين من أي إجراءات تعسفية قد تتخذها الدولة ضدهم، وتضمن معاملة جميع المواطنين على قدم المساواة وخضوعهم للقانون وليس لنزوات الأقوياء. كما يتوجب أن يوفر القانون الحماية للجماعات الأكثر ضعفا وفقرا من الاستغلال والظلم وسوء المعاملة. يتوجب على الحكومات أن تخلق المؤسسات والأطر اللازمة للمحافظة على القانون والنظام، ولتأسيس البنية التحتية الأساسية، ولتوفير خدمات أساسية كالصحة والتعليم، خصوصا للفقراء، الأطر القانونية ضرورية لخلق وضع معيشي معروف مقدما وآمن، وبيئة عمل مؤتية للمواطنين العاديين وللرواد من رجال الإعمال، وللمستثمرين، ويتطلب الإطار القانوني الفعال والعادل أن تكون القوانين معلنة ومعروفة للمواطنين سلفا، وأن توضع هذه القوانين موضع التنفيذ، وان توجد الوسائل الكفيلة بتطبيقها، وأن يتم حل الخلافات عن طريق قرارات ملزمة للفرقاء تصدر عن سلطة قضائية مستقلة وجديرة بالثقة، وأن تتوفر إجراءات لتغيير القوانين عندما تتوقف عن أداء الغرض الذي قصد من ورائها.
مفهوم السلم الأهلي: -يعني السلم الأهلي الدائم رفض كل إشكال التقاتل، أو مجرد الدعوة إليه أو التحريض عليه، او تبريره، أو نشر ثقافة تعتبر التصادم حتميًا بسبب جذورية التباين، وتحويل مفهوم الحق بالاختلاف إلى إيديولوجية الاختلاف والتنظير لها ونشرها. ويعتبر أيضا إعادة إنتاج لحرب أهلية التشكيك في جوهر البناء الدستوري ومواثيقه وحظوظ نجاحه في الإدارة الديمقراطية للتنوع. ويعني السلم الأهلي الدائم إيجابا العمل على منع الحرب الأهلية في المجتمع.
وينطلق العمل في سبيل إرساء السلم الأهلي الدائم من قاعدة اختباريه معايشه وعملية وهي أن الحرب الأهلية أو الداخلية في المجتمع هي الشر المطلق، أيا كانت الأهداف أو القضية التي تتلبّس بها هذه الحرب أو تسعى للدفاع عنها، لأن هذا النوع من الحروب في الواقع الدولي هو مصدر شرور أخرى داخلية وإقليمية ودولية، فتتحول الحرب الأهلية إلى حرب من اجل الآخرين. 
مفهوم الانفلات الأمني:- يقصد بالانفلات الأمني ( مجموع أعمال العنف التي تقع داخل المجتمع الفلسطيني، وينجم عنها أضرار بحقوق المواطنين الفلسطينيين، وعلى وجه الخصوص حقهم في الحياة والسلامة الجسدية وحماية ممتلكاتهم، يرتكبها أشخاص ينتمون إلى الأجهزة المكلفة بإنفاذ القانون، أو يحسبون عليها، أو من قبل مجموعات مسلحة محلية، كذلك الأحداث التي يقوم بها مواطنون، وتندرج عادة ضمن مستوى الجرائم العادية، لكن السلطات المختصة تمتنع عن القيام بأعمال من شأنها منع وقوع مثل هذه الجرائم، أو تمتنع عن ملاحقة مرتكبيها وإحالتهم إلى العدالة).
واجتماعياً: فإن انتشار اللاتسامح والفوضى والعنف يعني فرض نمط حياة معينة بغض النظر عن التطورات العاصفة التي شهدها العالم، لأنماط متنوعة، مختلفة، متداخلة، متفاعلة، وأحياناً يتم التخندق بسلوك وممارسات عفا عنها الزمن وأصبحت من تراث الماضي" كنموذج الاقتتال العشائري والثار الخ".
وثقافياً: فإن العنف والفوضى واللاتسامح يعني التمسك بالقيم والمفاهيم القديمة والتقليدية ومحاربة أي رغبة في التجديد، أو أي شكل أو نمط للتغير، وإزاء الانغلاق والفوضى والعنف وعدم التسامح الذي يسود مجتمعا ورغم بعض الإرهاصات الجادة هنا وهناك في مجتمعنا لتدعيم السلم الاجتماعي وتعزيز سيادة القانون إلا أن الواقع يشير إلي تفاقم مظاهر العنف و الفوضى والفلتان الأمني مما يهدد تماسك المجتمع وآمنة وسلمه الاجتماعي والمؤشرات كثيرة فلا يغيب يوما لا نسمع به خطف لأجنبي أو مواطن أو إحداث عنف واشتباكات تؤدي إلى قتل وإصابة مواطنين نهيكم عن بعض الصراعات الحزبية والسياسية، كون غياب التسامح يعني انتشار ظاهرة التعصب والعنف وسيادة عقلية التحريم والتجريم، سواء على الصعيد الفكري أو السياسي أو الاجتماعي أو الثقافي أو ما يتعلق بنمط الحياة.
فكرياً يعني عدم التسامح العنف وحجب وتحريم حق التفكير والاعتقاد والتعبير، بفرض قيود وضوابط تمنع ممارسة هذا الحق، بل تنزل أحكاماً وعقوبات بالذين يتجرؤون على التفكير خارج ما هو سائد، 
وسياسياً: فإن اللاتسامح يعني احتكار الحكم وتبرير مصادرة الرأي الآخر باسم القومية أو الصراع مع العدو أو الطبقية والدفاع عن مصالح الكادحين أو الدين، لإسكات أي صوت ولتسويغ فكرة الاستئثار وادعاء امتلاك الحقيقة.

ودينياً: فإن عدم التسامح يعني منع الاجتهاد وتحريم بل تكفير أي رأي حر بحجة المروق في ظل تبريرات ديماغوجية وضبابية، تمنع الحق في إعطاء تفسيرات مختلفة، خصوصاً ضد ما هو سائد في محاولة لإلغاء المذاهب والاجتهادات الفقهية الأخرى، بل فرض الهيمنة عليها بالقوة.

اقتصاديا:- يعني عدم احترام حقوق المواطن الاقتصادية و أنشار الفقر والبطالة وغياب الحماية الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة و الاستشار بالثروة من قبل مجموعة ضيقة من الناس مما يهدد و بشكل كبير السلم الأهلي والاستقرار والذي بدوره يخلق بيئة يغيب عنها الإنعاش في الاستثمار والنمو الاقتصادي مما يقوض أركان المجتمع ويسمح بتنامي مظاهر العنف والإمراض الاجتماعية المختلفة.

مظاهر حالة الانفلات الأمني في المجتمع الفلسطيني
برزت العديد من المظاهر الدالة على تفشي حالة الانفلات الأمني، وغياب سيادة القانون، وحكم القضاء، وضعف أو عدم قدرة الجهات المسئولة على فرض الأمن والأمان في أراضي السلطة الفلسطينية مثل قيادة السيارات المسروقة، والتعدي على أراضي الدولة، والقتل على خلفيات عديدة، وفيما يلي أهم هذه المظاهر:القتل على خلفيات مختلفة يمكن تصنيفها على النحو التالي:القتل على خلفية جنائية،القتل على خلفية أمنية،القتل على خلفية جنائية اجتماعية كالثأر أو على خلفية ما يعرف بشرف العائلة.
فالهيئة المستقلة لحقوق المواطن رصدت حالات القتل في أراضي السلطة الفلسطينية على خلفية الانفلات الأمني وفوضى السلاح، حيث وصلت إلى 56 حالة قتل في العام 2003، و93 حالة في العام 2004. كما وصل عد حالات القتل التي وثقتها الهيئة منذ بداية عام 2005وحتى تاريخ 30-10-2005 "127" حالة قتل، في هذا الصدد، يلاحظ عدم قيام المواطنين بانتظار حكم القضاء، والتجائهم إلى اقتضاء حقوقهم بوسائلهم الخاصة، أو عن طريق الوسائل البديلة لحل النزاعات، كالقضاء العشائري، أو لجان الإصلاح والتوفيق، وذلك لأسباب عديدة أهمها:ضعف سلطة الضبط القضائي " الشرطة"، وعدم قدرتها على تعقب المجرمين والقبض عليهم، وإحالتهم إلى النيابة العامة لأسباب موضوعية وذاتية يعود أبرزها إلى انتشار ظاهرة فوضى السلاح كنتيجة حتمية لانتشار الأسلحة بين المواطنين دون ترخيص في اغلب الأحيان، وسوء استخدام السلاح المرخص من قبل بعض المواطنين، أو بعض عناصر الأجهزة الأمنية، أو لجماعات المسلحة أو استخدامه في غير الغايات المحددة قانونا أو للمقاومة باعتبارنا شعب يعيش تحت الاحتلال ،مما أصبح يهدد الأمن الداخلي والسلم الاجتماعي المهدد بفعل عوامل أخري، كما ساهمت السياسات التي انتهجتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال السنوات الأربع الأخيرة على المؤسسة الأمنية في السلطة الفلسطينية بالعموم، وعلى الأجهزة المكلفة بإنفاذ القانون في أراضي السلطة الفلسطينية بالخصوص في تفشي ظاهر الفوضى والفلتان والعنف الداخلي ، ومن هذه السياسات: الاجتياح المتكررة لمناطق السلطة الفلسطينية، وفرض الإغلاق على هذه المناطق خلال انتفاضة الأقصى التي بدأت في العام 2000، واستهداف معظم مراكز الإصلاح والتأهيل " السجون"، ومراكز التوقيف والنظارات التابعة لجهاز الشرطة، وهو الجهاز المكلف بمهام الضبط الإداري والقضائي، والمساعدة في تنفيذ الأحكام القضائية، إضافة إلى منع عناصر الأجهزة الأمنية، بما فيها الشرطة، من ارتداء الزي الرسمي، أو حمل السلاح، أو القيام بأي دور فعلي في سبيل المحافظة على الأمن والنظام العام في أراضي السلطة الفلسطينية، مما ساهم في إضعاف سيطرة السلطة على الأراضي الفلسطينية، وعدم قدرتها على تحقيق الأمان وفرض النظام العام.
وبالرغم من مسئولية الاحتلال الإسرائيلي وسياسته، عن تردي الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، من حيث خلق وضع اقتصادي مترد، وضلوعه في عمليات التهريب للسيارات المسروقة والمخدرات، وتجارة السلاح المتنوع، والأجسام المشبوهة المتفجرة، وحماية مرتكبي الجرائم والجنايات، وإعاقة مهام أجهزة الأمن، بهدف تكريس ادعاء ضعف السلطة وأجهزتها الأمنية، وعدم قدرتها على ضبط الأمن، وفرض النظام والقانون. 
وإلا انه نستطيع القول بأنه لم تفلح الجهود الرسمية المبذولة من قبل السلطات الثلاث( التشريعية، التنفيذية، القضائية) في مواجهة ظاهرة الانفلات الأمني، كونها لا ترقي إلى المستوى المطلوب، وكانت في اغلبها مجرد محاولات لا تستند إلى أي أساس واقعي أو منطقي أو علمي في التعاطي مع ظاهرة الانفلات الأمني.
ولعل المبررات التي سيقت كأسباب تعيق سيادة القانون قد تصبح أسبابا بنفس الوقت للتشديد على أهمية الحرص على تطبيق سيادة القانون فعدم الاستقرار السياسي والأمني، إذا ترافق معه غياب أساس قانوني يكفل الحقوق والحريات العامة والخاصة، فان ذلك يهدد وجود الكيان السياسي نفسه، ويعجل في توفير المقومات لإسقاطه وانهياره بينما تكون الصورة عكسية إذا ما توفر الحرص على تطبيق سيادة القانون فانه يعزز من الوضع الداخلي ويسهم في دعم استقراره وبالتالي تماسك المجتمع وتطوره.

القانون الأساسي الفلسطيني :-

يعد القانون الأساسي الفلسطيني بمثابة الدستور المؤقت والعقد الاجتماعي للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس والذي بدورة نظم أسس قيام الحكم في المجتمع الفلسطيني.
وتجدر الإشارة هنا إلي أن الحكم الصالح يتطلب أولا تشريعات تقوم علي الحق والعدل والحرية والمساواة واحترام حقوق الإنسان في ضوء ثلاث ركائز تتمثل في الاختيار: الذي يعني الآليات والنظم التي يتم بواسطتها اختيار نظام الحكم ومؤسساته ونظم وآليات مساءلتها واستبدالها وطبيعة بنى وآليات عمل هذه المؤسسات، والكفاءة: وهي تتمثل في قدرة الحكومة وسعيها لإدارة الموارد وتوفير الخدمات ووضع وتطبيق سياسات وأنظمة سليمة وسيادة الشفافية والاستقامة لدى أركان الحكم بديلاً كاملاً لأنماط الفساد والفوضى والقفز فوق القانون، والاحترام: وهو التعاطي الدائم غير الموسمي وغير المزاجي للحكومة مع المؤسسات التي تحكم وتنظم التفاعلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في المجتمع كالمنظمات غير الحكومية والأحزاب السياسية والنقابات العمالية والمهنية والاتحادات الشعبية وغيرها.
وتعد سيادة القانون، إحدى القضايا المعقدة في حياة الشعوب والمجتمعات والتي تتطلب فترة طويلة، وحالة من الاستقرار السياسي والأمني وبناءً مؤسساتياً، يوفر الإطار والمرجعية القانونية التي يجري الاستناد عليه لتكريس القانون واحترامه، لأنه بدون توفير هذه المتطلبات فان المجتمع لا يستطيع أن يشكل إطارا كافيا للتعايش والانسجام ما بين مواطنيه، ولا يمكن أن يتيح لهم تطوير إمكانياتهم المادية والروحية، ويصون حرياتهم الفردية والعامة، وبالتالي فان شروط قيام حكم ديمقراطي، يتطلب وجود سيادة القانون.
وإذا ما نظرنا للقانون الأساسي الفلسطيني سنجد أن نصوص القانون الأساسي قد نصت علي نبذ العنف وتعزيز سيادة القانون وصيانة السلم الأهلي فقد ضمن القانون الأساسي وكفل حقوق الإنسان ومعظم معايير الحكم الصالح" وتحديدا مبدأ سيادة القانون وحفظ الحقوق وصيانة الحريات" حيث تنص المادة 6 علي إن مبدأ سيادة القانون أساس الحكم في فلسطين، حيث تخضع للقانون جميع السلطات والأجهزة والهيئات والمؤسسات والأشخاص كما تنص المادة العاشرة علي ان تعمل السلطة الوطنية الفلسطينية دون إبطاء على الانضمام إلى الإعلانات والمواثيق الإقليمية والدولية التي تحمي حقوق الإنسان،وتكفل المادة 18 حرية العقيدة والعبادة وممارسة الشعائر الدينية شريطة عدم الإخلال بالنظام العام أو الآداب العامة، كما وتضمن المادة 26 للفلسطينيين على حق المشاركة في الحياة السياسية أفرادا وجماعات من خلال كفلة حق تشكيل الأحزاب السياسية والنقابات والجمعيات والانضمام إليها وفقا للقانون، وحق التصويت والترشيح في الانتخابات لاختيار ممثلين منهم يتم انتخابهم بالاقتراع العام وفقا للقانون، و تقلد المناصب والوظائف العامة على قاعدة تكافؤ الفرص، وحق عقد الاجتماعات الخاصة دون حضور أفراد الشرطة وعقد الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات في حدود القانون، كما وتكفل المادة 27 حرية تأسيس الصحف وسائر وسائل الإعلام ،كما ويؤكد القانون الأساسي استقلال السلطة القضائية باعتبار لا سلطان علي القضاء إلا القانون. 
وتؤكد المادة 32 بان كل اعتداء على أي من الحريات الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للإنسان وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها القانون الأساسي أو القانون، جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، وتضمن السلطة الوطنية تعويضا عادلا لمن وقع عليه الضرر .
ونص القانون الأساسي علي ضمان التعددية السياسية التي تعني بكل تأكيد تداول السلطة داخل النظام السياسي بين القوى والأحزاب المختلفة، أي اللجوء إلى الشعب في فترات دورية، لكي يختار الشعب من خلال صناديق الاقتراع ممثليه «السلطة التشريعية» وحكومته «السلطة التنفيذية» من خلال انتخابات عامة وحرة ونزيهة لكافة المواطنين الذين لهم حق الانتخاب بموجب قانون يحدد ذلك.
وحدد القانون الأساسي اختصاصات السلطات العامة وأخضعها للرقابة المستمرة وضمن مبدأ الفصل بين سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية باعتبار ذلك من المبادئ الأساسية المستقرة في دولة المؤسسات لأن ذلك يضمن عدم خروج السلطات في الدولة عن حدود اختصاصاتها حيث تقوم كل سلطة بممارسة اختصاصاتها بشكل مستقل ومرن ولا تسمح للسلطات الأخرى بالتدخل أو التغول على اختصاصاتها. وحدد القانون دور أجهزة الأمن والشرطة باعتبارها المخول الوحيد بإنفاذ القانون.
وكما ونص القانون الأساسي علي جملة من الضمانات والحقوق والحريات للمواطن تكفل في حال تطبيقها أركان السلم الاجتماعي، بإيجاز نستطيع القول بان نصوص القانون الأساسي تشير وبشكل واضح إلى رفض العنف والفوضى باعتبارها نقيض سيادة القانون وحقوق الإنسان . 
وتبقي العبرة بمدي احترام نصوص القانون الأساسي والتشريعات السارية في المجتمع الفلسطيني وضمان عدم مخالفتها من خلال المؤسسات أو الإفراد وهذا ما لا يتأتى إلا من خلال ممارسة السلطة والمؤسسات المعنية لدورها المحدد بالقانون من جهة، ومن جهة أخري من خلال وعي المواطنين بحقوقهم وبلورتهم لآليات للدفاع عنها.


المواثيق الدولية لحقوق الإنسان:

تحث وتنص كل المواثيق الدولية لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني لحقوق الإنسان من الإعلان العالمي والعهدين الدوليين للحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، واتفاقيات لاهاي وجنيف وميثاق الأمم المتحدة علي حماية حقوق الإنسان في الحياة والأمن والحرية في التعبير والاعتقاد ، والمساواة والعدالة وتدين العنف وتحث علي قيم الحوار والتسامح والعدل وسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان وحرياته السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وقدا شرنا خلال الورقة إلي معظم قيم حقوق الإنسان التي أوردتها الاتفاقيات والإعلانات الدولية كونها نبعت من تراث الإنسانية وتجاربها وأديانها السمحة وعلومها ومعارفها المتصاعدة التطور، ولكنها لا تتوافر دون سيادة الحكم الجيد أو الصالح أو الايجابي أو الدستوري وهو ذلك الحكم القائم على أساس أوسع قاعدة من المشاركة الجماعية لمواطنيه وهو الحكم الذي يسعى إلى تلبية احتياجات المجتمع الممأسس على أخذ دوره في المراقبة والمسائلة والتغيير على قاعدة عدم إنكار دور الدولة ومؤسساتها وأهمية وجودها بما يعني إيجاد آلية تشارك إيجابي فيما بين مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني استناداً إلى أسس الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وهذا يعني بوضوح أهمية إدراك وتطبيق الآلية المثلى لتقاسم الأدوار ما بين الحاكمين والمحكومين عبر احترام متبادل للأدوار الايجابية لكل منهما لصالح مجتمع حر مدني ديمقراطي يوفر البيئة السليمة لسيادة وتطبيق مبادئ حقوق الإنسان وحرياته الفردية والجماعية، وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى خصوصية المجتمع الفلسطيني حيث تعد الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل عام 1967، أراض محتلة من وجهة نظر القانون الدولي الإنساني،تنطبق عليها أحكام لائحة اتفاقية لاهاي لعام 1907، و اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949. لهذا، والى جانب المسؤولية التي تقع على السلطة في حفظ امن وأمان المواطن الفلسطيني في الأراضي التابعة لها، والتي تملك السيطرة الأمنية فيها، يظل الاحتلال الإسرائيلي مسئولا مسؤولية كاملة عن حفظ الأمن والنظام داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، كونها قوة احتلال لا تزال تسيطر على المناطق التي تتم إدارتها مدنيا من قبل السلطة.
وختاما يعد احترام حقوق الإنسان طفلاً أو مرأة أو معاق أو شاب وحرياته الأساسية المعيار الأساسي لقياس إنسانية وتطور أي مجتمع، مع الانتباه إلي أن حقوق الإنسان تعد كمثل عليا لم تطبق بالكامل في إي مجتمع، ولكن هناك دول ومجتمعات أكثر اقترابا منها فتقدم وتنمو، وهناك مجتمعات أكثر ابتعادا عنها فتتراجع وتتخلف وتسود فيها الفوضى والعنف. 

ما العمل: لدينا مهمات وإعمال كثيرة نقوم بها لعل أبرزها:-

الأولى: هي العمل القانوني كون الحقوق والمسؤوليات المتعلقة بسيادة القانون وصيانة حقوق الإنسان والتسامح راسخة في القانون الأساسي والوثائق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان لذا لابد من تفعيل وتعزيز دور المؤسسات المكلفة بإنفاذ القانون وحماية حقوق الانسان.
الثانية: هي التربية، إذ يجب أن تسهم السياسات والبرامج التربوية في تعزيز التفاهم والتضامن والسلم الاجتماعي والتسامح واللاعنف بين الأفراد وكذلك بين الجماعات السياسية والاجتماعية والدينية. والتربية تبدأ في كل مكان في البيت و رياض الأطفال وفي كافة مراحل التعليم وفي المؤسسات والأحزاب والحركات ويجب أن تعمل على خلق جو من التسامح.
الثالثة: هي الممارسة، فلن نكتسب قيم سيادة القانون والحوار والتسامح والسلم الاجتماعي إلا بالممارسة على مستوى الدولة والمجتمع، والتسامح والحوار وسيادة القانون ونبذ العنف، كالسباحة لا يمكن تعلمها إلا بالممارسة. وما أسهل تعلم السباحة في الهواء ولكن عند النزول في الماء وبدون تدريب يغرق الكثيرون.


توصيات قانونية عاجلة:
1. ضرورة قيام السلطة التنفيذية باتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة بإرساء دعائم سيادة القانون وتقوية حكم القضاء، بما يساهم في القضاء على ظاهرة الانفلات الأمني.
2. ضرورة الإسراع في إيجاد الأسس القانونية المنظمة لعمل وصلاحيات الأجهزة المكلفة بحفظ النظام والأمن في السلطة الفلسطينية، وأهمها إقرار القانون المحدد لصلاحيات ومهام وهيكلية قوات الأمن الفلسطيني.
3. ضرورة العمل على معالجة ظاهرة استخدام سلاح السلطة الوطني الفلسطينية من قبل بعض عناصر الأجهزة الأمنية في غير المهام المحددة قانونيا، وذلك كمدخل لوضع حد لظاهرة الانفلات الأمني وغياب سيادة القانون في أراضي السلطة الفلسطينية.
4. ضرورة توفير الحماية اللازمة لمؤسسات السلطة، وفي مقدمتها المحاكم، والأطر القضائية وأعضاء النيابة العامة والقضاة، حتى تتمكن من القيام بواجباتها، وكذلك قيام السلطة الفلسطينية بإجراء تحقيقات جدية لحوادث الإخلال بالأمن، والإعلان عن نتائج هذه التحقيقات، والقبض على المجرمين وإحالتهم للعدالة.
5. ضرورة وضع الإجراءات الكفيلة بتوفير الحماية اللازمة لمراكز الإصلاح والتأهيل الفلسطينية، والحد من الاعتداءات التي تقع عليها من وقت لآخر.
6. ضرورة معاقبة مرتكبي جرائم الاعتداءات أثناء انعقاد جلسات المحاكم، وتوفير حماية كافية أثناء انعقاد جلسة المحاكمة( أعداد كافي من عناصر الشرطة داخل قاعة المحكمة، ودوريات ثابتة داخل مبنى المحكمة، ودوريات متحركة خارج مبنى المحكمة).
7. ضرورة العمل على تفعيل دور المحاكم العسكرية في محاسبة مرتكبي الجرائم من عناصر الأجهزة الأمنية أثناء أداء مهامهم أو بسببها، كونها الجهة صاحبة الاختصاص بنظر الجرائم ذات الطبيعة العسكرية.
8. ضرورة أن تقوم السلطة بحملة شاملة لملاحقة ومحاسبة المسئولين عن كافة لاعتداءات التي وقعت خلال السنوات الأخيرة.
9. ضرورة أن تقوم السلطة بالإعلان عن كافة الإجراءات التي تقوم بها تجاه المسئولين عن حوادث الفلتان الأمني المختلفة، وذلك من اجل خلق قناعة واضحة لدى المواطن بوجود ملاحقة فعلية لكل من يهدد امن المواطن.
10. ضرورة تضافر جهود مؤسسات المجتمع المدني ونقابة محامي فلسطين، وكافة قوى المجتمع الأخرى، والإسلامية والأهلية، في سبيل معالجة أسباب ظاهرة الانفلات الأمني، وحث الجهات المعنية في السلطة الفلسطينية على مواجهة بحزم.

وختاما: نبذ العنف والفلتان والفوضى بحاجة إلى الإرادة والرغبة الصادقة من جميع الإطراف للتعامل مع الغير بروح إنسانية على المستوى الشخصي والمحلي والدولي،أما على المستوى المحلي فعلى السلطة احترام القانون وإيقاف العنف وحالة الفوضى من خلال تعزيز سيادة القانون ودور المؤسسات المكلفة بإنفاذ القانون واحترام حقوق الإنسان والانتقال إلى الديمقراطية عبر الحوار والتعددية والشفافية والمساءلة، وعلي المجتمع ومؤسساته العمل على نشر إدراك جماعي حول عبثية العنف والحروب الداخلية والفوضى و تحويل الصراعات الخارجية إلى نزاعات داخلية، وتوضيح كلفة ومخاطر هذه الحروب بالنسبة إلى قضيتنا الفلسطينية و كيان مجتمعنا ومصالح أبنائنا، واعتبار الوحدة الوطنية والالتزام بإحكام القانون هو أساس مقياس الولاء، وان ميثاق العيش المشترك هو قضية المجتمع الأولى لا تعلو عليها أية قضية أخرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق