السبت، 21 أبريل 2012

مسئوليات الاحتلال الإسرائيلي الجنائية والمدنية عن جرائم حربه في قطاع غزة

تمهيد:
تخضع الأراضي المحتلة " قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية " لاحتلال عسكري متواصل من قبل إسرائيل. لذا فإن أحكام القانون الدولي الإنساني وخاصة اتفاقية جنيف المتعلقة بحماية المدنيين زمن الحرب وتحت الاحتلال لعام 1949 - هما الإطار القانوني الأساسي المنطبق على الأوضاع في الأراضي الفلسطينية - السلطة والشعب تحت الاحتلال-، وقد أكّد المجتمع الدولي مراراً، ممثلاً بهيئات الأمم المتحدة والحكومات، ومحكمة العدل الدولية والمنظمات الدولية الحقوقية، على الانطباق القانوني لهذه الاتفاقية على الأراضي الفلسطينية المحتلة. ومع ذلك تقوم قوات الاحتلال الإسرائيلي بالانتهاك المنظم لأحكام الاتفاقيات الدولية ومجمل قواعد القانون الدولي في إدارتها للأراضي الفلسطينية المحتلة وعلاقتها بالسكان المدنيين حيث يصر الاحتلال الإسرائيلي على عدم اعترافه بالانطباق القانوني لأحكام القانون الدولي الإنساني، ولا يغيّر موقف الاحتلال الإسرائيلي من الانطباق القانوني لاتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي الفلسطينية المحتلة. 
وجدير بالذكر أن القانون الدولي الإنساني وبخاصة اتفاقية جنيف الرابعة يهدفان لتوفير الحماية لضحايا الحروب وتحديداً للسكان المدنيين في الأراضي المحتلة، وتؤكد الاتفاقية على أن دولة الاحتلال ليست مطلقة اليدين في استخدام ما تشاء من القوة أو الإجراءات أو السياسات في إدارتها للأراضي المحتلة، ويجب على الدوام أن تراعي إلى أقصى حد حياة ومصالح السكان المدنيين وحماية ممتلكاتهم، وألا تغير من الوضع القانوني لتلك الأراضي.
فحالة الحرب أو الاحتلال لا تعفي الدولة المحتلة من التزاماتها الدولية، ومسئوليتها تجاه احترام حقوق الإنسان في الأراضي التي تحتلها، لاسيما إذا كانت تلك الدولة طرفاً تعاقدياً في اتفاقات حقوق الإنسان، وبما أن دولة الاحتلال الإسرائيلية طرفاً تعاقدياً في العهدين، الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والخاص بالحقوق المدنية والسياسية فهي ملزمة باحترام ما ورد فيهما. فالعهدان يؤكداً على ضرورة ضمان، حق الشعوب في تقرير مصيرها والسيطرة علي مواردها، وعلي حقوق الإنسان " كالحق في الحياة، الحق في العمل، وحرية السفر والتنقل، وحقه في مستوى معيشي لائق ، وحقه في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه، وحقه في التربية والتعليم.... الخ الحقوق الواردة في الشرعة الدولية لحقوق الإنسان.
العدوان علي غزة
في إطار استمرار تنكرها لحقوق الشعب الفلسطيني وتهربها من تطبيق القانون الدولي الإنساني وقرارات الشرعة الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية قامت قوات الاحتلال بتاريخ 27/12/2008 وحتى الآن بالعدوان الحربي على قطاع غزة مستخدمة بذلك كافة لوسائل القتالية والحربية حيث استخدمت مختلف أنواع الطائرات الحربية والبوارج والدبابات والتي أحدثت دمار هائل في القطاع وسببت في خسائر فادحة في أوساط المدنيين والأعيان المدنية.

فخلال الفترة الواقعة بين 27/12/2009- 10/1 /2009، اقترفت قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، فقد أدي العدوان علي القطاع إلي استشهاد " 844" مواطناً فلسطينياً ،90% مدنيين منهم " 256" طفلاً، و"96" امرأة ، نتيجة إصابتهم بشكل متعمد بقذائف الدبابات وصواريخ الطائرات الحربية والمروحيات، كما دمرت قوات الاحتلال كافة المقرات الأمنية في القطاع، ودمرت 200" منزل تدمير كلي والآلاف المنازل الأخرى تضررت بشكل جزئي في القطاع ، وقصفت "12" عربة إسعاف الأمر الذي أدي استشهاد ستة مسعفين في خطوة تهدف لمنع وإعاقة عمل الطواقم الطبية في إسعاف الجرحى، وادي القصف العشوائي للمدنيين والأعيان المدنية إلي استشهاد "4" صحفيين وحتى اللحظة، ما زالت قـوات الاحتلال الإسرائيلي تشن هجوما عسكريا بربريا، برا وبحرا وجوا علي كافة مناطق قطاع غزة.

المسؤولية الجنائية:

تنص المادة 146من اتفاقية جنيف الرابعة لحماية المدنيين وقت الحرب وتحت الاحتلال لعام 1949 على أن تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بأن تتخذ أي إجراء تشريعي يلزم لفرض عقوبات جزائية فعالة على الأشخاص الذين يقترفون أو يأمرون باقتراف إحدى المخالفات الجسيمة لهذه الاتفاقية، المبينة في المادة التالية: " يلتزم كل طرف متعاقد بملاحقة المتهمين باقتراف مثل هذه المخالفات الجسيمة أو بالأمر باقترافها، وبتقديمهم إلى محاكمة، أيا كانت جنسيتهم . وله أيضا، إذا فضل ذلك، وطبقا لأحكام تشريعه، أن يسلمهم إلي طرف متعاقد معني آخر لمحاكمتهم ما دامت تتوفر لدى الطرف المذكور أدلة اتهام كافية ضد هؤلاء الأشخاص ، وعلى كل طرف متعاقد اتخاذ التدابير اللازمة لوقف جميع الأفعال التي تتعارض مع أحكام هذه الاتفاقية بخلاف المخالفات الجسيمة المبينة في المادة التالية: " وينتفع المتهمون في جميع الأحوال بضمانات للمحاكمة والدفاع الحر لا تقل ملاءمة عن الضمانات المنصوص عنها بالمواد 105 وما بعدها من اتفاقية جنيف بشأن معاملة أسري الحرب، المؤرخة في 12 آب/أغسطس 1949 ".
وتعرف المادة 147 المخالفات الجسيمة بأنها " ما يتم اقترافه ضد أشخاص محميين أو ممتلكات محمية بالاتفاقية: القتل العمد، والتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية، بما في ذلك التجارب الخاصة بعلم الحياة، وتعمد إحداث آلام شديدة أو الإضرار الخطير بالسلامة البدنية أو الصحة، والنفي أو النقل غير المشروع، والحجز غير المشروع، وإكراه الشخص المحمي علي الخدمة في القوات المسلحة بالدولة المعادية، أو حرمانه من حقه في أن يحاكم بصورة قانونية وغير متحيزة وفقا للتعليمات الواردة في هذه الاتفاقية، وأخذ الرهائن، وتدمير واغتصاب الممتلكات علي نحو لا تبرره ضرورات حربية وعلي نطاق كبير بطريقة غير مشروعة وتعسفية ".

وتعتبر انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي مثل قتل المدنيين عمدا وخارج نطاق القانون أو بشكل متعمد، والحصار، ومصادرة أو تدمير الممتلكات الخاصة والعامة على نطاق واسع لا تبرره الضرورات الحربية، من الانتهاكات والمخالفات الجسيمة لاتفاقية جنيف الرابعة بشان حماية المدنيين زمن الحرب لسنة 1949، وقد اعتبرت المادة الخامسة من البرتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف لسنة 1977، والمتعلق بحماية ضحايا المنازعات المسلحة الدولية. إن الانتهاكات والمخالفات الجسيمة للاتفاقية والبرتوكول تعد جرائم حرب. 

كما حددت المادة الثامنة من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1988 نطاق جرائم الحرب لتشمل، بالإضافة إلى الحالات المذكورة أعلاه، تعمد شن هجوم مع العلم المسبق أنه سيسفر عن خسائر تبعية في الأرواح أو عن إصابات بين المدنيين أو إلحاق أضرار مدنية، تعمد توجيه هجمات ضد المباني الدينية أو العلمية أو الخيرية أو المستشفيات، قتل أفراد منتمين إلى دولة معادية أو أصابتهم غدراً، والاعتداء على كرامة الشخص أو الحط من كرامته. وبموجب المادة 146 من اتفاقية جنيف الرابعة، " يلتزم كل طرف متعاقد بملاحقة المتهمين باقتراف مثل هذه المخالفات الجسيمة أو الأمر باقترافها، وبتقديمهم إلى المحاكمة أيا كانت جنسيتهم ". وبموجب المادة 86 من البرتوكول الأول تترتب مسؤولية مباشرة وجماعية تقع على عاتق الدول الأعضاء في اتفاقية جنيف الرابعة، والتي من واجبها التحرك لمواجهة الأطراف التي تتعمد خرق أحكام هذه الاتفاقية ( سلطات الاحتلال )، وذلك بأن: " تعمل الإطراف السامية المتعاقدة وأطراف النزاع على قمع الانتهاكات الجسيمة واتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع كافة الانتهاكات الأخرى للاتفاقيات ولهذا البروتوكول التي تنجم عن التقصير في أداء عمل واجب الأداء ".
ووفقاً للمادتين 27 و 28 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، يكون القادة العسكريون مسئولين جنائياً عن الجرائم التي يرتكبها الجنود الخاضعون لإمرتهم وسيطرتهم الفعلية. كما قد يتعرض رؤساء الدول أو أعضاء الحكومات للعقاب الجنائي إذا ارتكبت جرائم حرب بناء على أوامر صادرة منهم حتى وإن كان القانون الوطني لا يعاقب على مثل هذا العمل، فالصفة الرسمية ليست سبباً في تخفيف العقوبة.

وقد شهد العالم مجموعة من السوابق القضائية الدولية بشأن محاكمة أشخاص ارتكبوا جرائم حرب أو أمروا بارتكابها. من ذلك محاكمة مجرمي الحرب العالمية الثانية ( محاكم نورمبرغ )، ومحاكمة مجرمي الحرب في كل من يوغسلافيا وروندا. وتتنوع أشكال المحاكمة، فقد تكون أما محاكم خاصة مؤقتة تشكل لمحاكمة أشخاص معينين في مكان معين ووقت معين بسبب ارتكاب جرائم معينه، أو المحاكمة أمام القضاء الوطني في الدول التي تكون طرفاً في اتفاقية جنيف الرابعة، والتي تجيز قوانينها الوطنية تلك المحاكمات.

كما يحق للأطراف المتضررة من الانتهاكات الجسيمة وفق المادة 88 من البرتوكول الإضافي الأول، ملاحقة الآمرين بارتكاب مثل هذه الجرائم ومرتكبيها ومسائلتهم كمجرمي حرب. وتعتبر جرائم الحرب من الجرائم التي لا تسقط بمرور الزمن أو التقادم، وفقا لاتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية لعام 1968، والنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1988.

إن ملاحقة المسئولين الإسرائيليين وقادة الاحتلال عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق المدنيين الفلسطينيين تقتضي رصد هذه الانتهاكات وتوثيقها في ملفات رسمية، تتضمن الأدلة المادية التي تثبت ارتكابها وإسنادها للمسئولين عنها، وعلى ضوء ما سبق، فإننا نطالب الأطراف السامية المتعاقدة على الاتفاقيات المذكورة آنفاً، العمل على تنفيذ وتطبيق أحكام تلك الاتفاقيات في الشروع الجاد في تحقيقات دولية مستقلة يتبعها تقديم مجرمي الحرب إلى القضاء الدولي لمعاقبتهم على ما اقترفوه من جرائم بحق الفلسطينيين وضد الإنسانية.

المسؤولية المدنية

وفقاً لقواعد القانون الدولي الإنساني، يقع على عاتق سلطات الاحتلال التزامان مدنيان. يتمثل الأول في ضرورة التوقف الفوري عن الانتهاكات والأعمال غير المشروعة، وخاصة العقوبات الجماعية بمختلف أنواعها، واستخدام القوة المفرطة والمميتة ضد المدنيين، والقتل خارج نطاق القانون. 
أما الثاني فيتمثل في التعويض العيني والمالي عن الانتهاكات التي ترتكبها قوات الاحتلال، وذلك بإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل الانتهاك. وإذا لم يكن بالإمكان ذلك، فإن سلطات الاحتلال ملزمة بدفع تعويض مالي عن الأضرار التي لحقت بالسكان والممتلكات جراء هذه الانتهاكات. وعليه، يقع على الاحتلال الإسرائيلي مسؤولية تعويض المواطنين الفلسطينيين والسلطة الوطنية الفلسطينية عن المباني والمنشآت الخاصة والعامة التي قصفتها قوات الاحتلال وخربتها، والأراضي التي جرفتها والأشجار التي اقتلعتها، والبنية التحتية التي دمرتها، والخسائر التي لحقت بالاقتصاد الفلسطيني نتيجة الحصار والقصف والعدوان المستمر. هذا بالإضافة إلى تعويض الجرحى والأسري وذوي الشهداء الأبرياء عن الألم والمعاناة التي حلت بهم، وعن الخسائر المادية التي تم تكبدها نتيجة للأسر أو الجرح أو القتل غير المشروع.

لقد نصت المادة 3 من اتفاقية لاهاي للحرب البرية لسنة 1907 على " أن الدولة التي تخل بأحكام هذه الاتفاقية تلتزم بالتعويض إن كان لذلك محل. وهي تكون مسئولة عن كافة الأعمال التي تقع من أي فرد من أفراد قواتها المسلحة ". ونصت المادة 52 من نفس الاتفاقية على أن " تقوم دولة الاحتلال بدفع مبالغ نقدية للسكان عن أتلاف الممتلكات والأضرار بها، بحيث تدفع المبالغ فورا للمتضررين. وفي حالة عدم الدفع الفوري، فان الدولة المحتلة تمنح هؤلاء السكان إيصالات بهذه المبالغ، على أن تقوم بدفع هذه الإيصالات بأسرع وقت ممكن ". وتعتبر إسرائيل ملزمة بأحكام اتفاقية لاهاي هذه باعتبارها جزءا من القانون الدولي العرفي.

لقد أكدت بعض قرارات الأمم المتحدة، مثل قرار الجمعية العامة رقم 38/144 لسنة 1983، على حق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي في استعادة مواردها وثرواتها وأنشطتها الاقتصادية، وفي نيل تعويض كامل عما أصاب تلك الموارد والثروات والأنشطة من استغلال واستنزاف وإضرار. وهناك مجموعة من السوابق الدولية التي تلزم الدولة المحتلة بتعويض المتضررين بسبب الاحتلال، مثل قرارات مجلس الأمن الدولي رقم 674، 686، 687 لسنة 1990، والتي أكدت مسؤولية العراق عن تعويض الكويت عن الأضرار المادية، بما في ذلك أضرار البيئة واستنفاد الموارد الطبيعية أو الأضرار التي لحقت بالحكومة أو المؤسسات أو الأفراد. إن انطباق نفس المعيار يوجب تعويض المتضررين الفلسطينيين نتيجة ممارسات قوات الاحتلال غير القانونية من قبل دولة إسرائيل. 

خاتمة:
إزاء استمرار قوات الاحتلال في ارتكابها لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وفقاً للقانون الدولي الإنساني والشرعة الدولية لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة وخاصة في قطاع غزة ، فإننا تطالب الأمم المتحدة بأن تتحمل مسئولياتها وان تفي بالتزاماتها تجاه سكان الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأن تعمل على توفير الحماية الدولية اللازمة للشعب الفلسطيني.
كما ونطالب كافة الحقوقيين ونقابات المحاميين في العالم والمؤسسات الحقوقية الدولية بسرعة التحرك والعمل على ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين وتقديمهم للعدالة ومحاسبتهم علي ما اقترفوه من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة.
ونؤكد علي ضرورة مواصلة مؤسسات المجتمع المدني في العالم فعالياتها الضاغطة على حكوماتها لمقاطعة دولة الاحتلال الإسرائيلي باعتبارها دولة إرهاب منظم.
وختاما نطالب المجتمع الدولي والإطراف السامية المتعاقدة علي اتفاقيات جنيف بأن تقوم بواجباتها بالضغط علي سلطات الاحتلال من أجل أن توقف عدوانها واحتلالها للشعب الفلسطيني، وإجبارها على الالتزام بأحكام القانون الدولي الإنساني وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة لحماية المدنيين زمن الحرب وتحت الاحتلال، ومواثيق حقوق الإنسان، وقرارات الشرعة الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية بما يكفل حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني حل عادل للقضية الفلسطينية، يأخذ بالحسبان تعويضهم عن كافة الأضرار والمصائب الجسيمة التي لحقت بهم جراء الاحتلال وممارساته وجرائمه. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق