السبت، 21 أبريل 2012

المرأة الفلسطينية والمشاركة السياسية والاجتماعية

يأتي هذا المقال ليحاول تفسير و فهم الواقع المعقد الذي يمنع الاعتراف بدور المرأة الفلسطينية في التنمية والمشاركة السياسية والمجتمعية، كون المرأة الفلسطينية موجودة فيما يمكن اعتباره "تنمية" للمجتمع الفلسطيني،إن الإشكالية الكبرى تكمن في عدم تفعيل مشاركة المرأة و الاعتراف بدورها وفهمه بطريقة تختلف عن الفهم التقليدي السائد.
ماهية المشاركة:
لابد من التأكيد أولا: بان المشاركة حق من حقوق المرأة والإنسان فالمواثيق الدولية والقوانين المحلية كلفت حقوق المرأة "حق النساء في المساواة، واختيار الزوج، وحماية حقوق الأمومة، وتعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية التي تكرس الدونية، ومكافحة استغلال المرأة، وحق المشاركة المتساوية في الانتخابات والاستفتاءات وفي صياغة سياسة الحكومة، وبالمشاركة في جميع المنظمات والجمعيات غير الحكومية، وتمثيل حكومتها على المستوى الدولي، وحقها في اكتساب الجنسية والاحتفاظ بها، والمساواة في مجالات التعليم والعمل والصحة والدين والقانون وغيره. المشاركة في أبسط تعريفاتها: شرط من شروط النمو والتطور السليمين، إنها، في آن واحد، وسيلة جوهرية في التعبير عن التواصل والتطور، المفترض ان يتكاملا في حياة الإنسان.
أثر المشاركة:
في النساء:
توفر المشاركة فرصة للإنسان للتعبير عن مشاعره وحاجاته، وفهمها( من شان ذلك أن يساعد على الالتفات أيضاً إلى مشاعر الآخرين وحاجاتهم، وفهمها).
تساعد المشاركة النساء على تطوير مهارات كالتخطيط والتقييم والاتصال والنقاش والمفاوضة والتوصل إلى حل وسط وصناعة القرار، وكذلك خلق التوازن بين احتياجاتهم واحتياجات الآخرين.
حين تؤخذ آراء النساء ومشاعرهم وقدراتهم بجدية، وتعامل باحترام، تزداد ثقتهم واعتزازهم بأنفسهم.
يكتسب الانسان عبر المشاركة معلومات متنوعة عن حياته وبيئته القريبة.
في الأسرة:
توثيق العلاقات وزيادة التعاون داخل الأسرة، وبينها وبين المجتمع المحلي.
تعامل أفضل مع الفروق بين أفراد الأسرة، بخاصة الفروق التي أساسها الاجتماعي( النوع الجندر أو ذكر أو أنثي).
في المجتمع:
تساهم مشاركة النساء في: إعادة النظر في قيم اجتماعية وثقافية تتعلق بالمرأة وتطويرها باتجاه احترامها واحترام حقوقها ودورها، ورؤيتها، وتكفل لها وسائل تعبير مختلفة.
ضمان مشاركة جميع فئات المجتمع في التنمية.
إن خبرة الإناث المبكرة في صناعة القرار كفيلة بإكسابهم مهارات ومعرفة يوظفونها مستقبلاً في نشاطهم كمواطنين قادرين ومسئولين في مجتمع ديمقراطي.
في البرنامج:
مشاركة النساء تنمى حسهم بأنهم " يملكون" بيئتهم ونشاطاتهم، والقوانين التي وضعوها لأنفسهم والمسئولية عنها. لذا فهم يتحمسون عادة لتطوير نشاطاتهم والمحافظة على استدامتها.
إن البرامج التي تشارك بها النساء مشاركة فعالة هي أقرب ما تكون للتعبير عن احتياجاتهم، وهي أكثر قدرة من غيرها على التكيف مع حاجاتهم المتغيرة.
والمشاركة بهذا المعني تعني نوع من الكفاءة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية تكتسب وتنمي من خلال الممارسة فهي عملية شاملة ومتواصلة يمثل الناس جوهر اهتمامها ولب غاياتها، كما أنها تنطلق من وتعتمد على الإقرار بحقوق الانسان.
واقع مشاركة المرأة الفلسطينية:
إن واقع المرأة وعلاقات النوع الاجتماعي ليست علاقات جامدة على الإطلاق، فهي تتأثر بمجمل العوامل الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية، ويعاد تشكيلها وتعريفها بناء على ظروف المجتمع في مرحلة تاريخية ما.كما قد تؤدي الحروب والثورات والكوارث الطبيعية إلى تغيرات جوهرية حول المفاهيم السائدة "ما يصلح لان تمارسه النساء وما يصلح لأن يمارسه الرجال" من أعمال ومهمات داخل البيت وخارجه، وتساهم في تغيير الأنماط التقليدية من العلاقات، وتساهم في تفعيل وصول النساء لمراكز صنع القرار والمساهمة في التنمية، إلا إن الواقع الفلسطيني أكثر تعقيداً، باعتبار تدخل جملة من العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتربوية تحد من أدوار المرأة ومشاركتها في الحياة السياسية والاجتماعية بداء من المجتمع الأبوي التقليدي الذي نعيش وانتهاء بأزمة الديمقراطية وغيابها وتراجع ممارساتها في الحياة السياسية والاجتماعية. 
كما وساهمت ممارسات الاحتلال سابقا وفي السنوات الأربع الأخيرة في تكثيف الشعور بالحصار والعزلة، وفي ارتفاع نسب الفقر في المجتمع الفلسطيني إلى معدلات لم يسبق لها مثيل. وأثر الفقر تأثيراً كبيراً على شتى مجالات الحياة اليومية، وبسبب مجمل العلاقات الاقتصادية والاجتماعية يزداد دور العائلة الممتدة وتأثيرها على علاقات النوع الاجتماعي بدءً أيضاً من جنس الجنين، ومروراً بطرق تربية الأطفال، وانتهاء بقرار الزواج، وقرار الإنجاب وعدد الأطفال، وغير ذلك من القضايا التي تؤثر تأثيراً مباشراً على حياة النساء والرجال على حد سواء.
وساهمت هذه المظاهر إلى حد كبير في التأثير على دور المرأة الفلسطينية ومشاركتها في الحياة السياسية والاجتماعية.
1- ممارسات الاحتلال القمعية، وتقطيع أوصال المدن والقرى الفلسطينية بهذه الطريقة البشعة يثير تساؤلاً عن مدى استعداد النساء للخروج من بيوتهن ومن مجتمعاتهن المحلية، والمشاركة في الحياة العامة وفي الأنشطة السياسية المتعلقة بمصيرهن. 
2-حالة الإفقار الشديد والبطالة التي يتعرض لها المجتمع الفلسطيني ساهمت بشكل كبير في تغيير علاقات النوع الاجتماعي، وظهرت مهن جديدة لم تكن مقبولة اجتماعيا للنساء، إلا أن الحاجة المادية زادت من هذه الأنماط،"انتشار أعمال الخدمة في البيوت، أو تجار البسطات بين النساء، أو المساهمة التقديرية للاقتصاد المنزلي في الحفاظ على صمود المجتمع ومواجهته للوضع الراهن. هذه الأعباء جميعها تتحملها النساء وتكرس من دور تقليدي للمرأة يحصرها في إطار الدور الإنجابي ويبعدها عن إمكانات المشاركة في الحياة السياسية.
3-أدت أحداث الانتفاضة الثانية إلى عودة جميع المؤسسات الرسمية والأهلية على برامج المساعدات الطارئة ذات الطابع الإغاثي، وعلى الرغم من أهمية هذه البرامج في التخفيف من المعاناة الإنسانية الشديدة إلا أن النساء هن الأكثر تضرراً بسبب خروج المؤسسات عن برامجها التنموية المحددة، والتي كانت تتضمن اهتماماً خاصاً بحقوق النساء وترسيخ قيم العدالة الاجتماعية. البرامج الإغاثية تبقي الوضع على ما هو عليه ولا تتيح المجال أمام أي تغيير في الواقع التقليدي لأدوار النوع الاجتماعي، وتحديداً في مشاركة المرأة السياسية.
4- يلاحظ في المجتمع الفلسطيني زيادة في معدلات الإنجاب مع ما يتركه هذا الأمر من آثار على دور المرأة المجتمعي والسياسي، ستترك آثاراً على أجيال قادمة وتجعل من المشاركة الجماعية الفاعلة للنساء أمراً صعباً. 

وختاما: إن الاعتراف بالدور الأساسي الذي تقوم به النساء يجب أن يتجاوز دورهن التقليدي والنمطي، وأن يتحول إلى إنجازات على المستوى الشعبي المجتمعي والسياسي، وأن يترجم من خلال قوانين وسياسيات، ومن خلال دور سياسي في تحديد معالم المرحلة القادمة. يتطلب فهم دور النساء في تنمية المجتمع الفلسطيني تعريفاً مختلفاً لمشاركة المرأة يحدد شكل التدخل التنموي المطلوب، وأهم ما فيه الاعتراف بدور النساء الفلسطينيات وتقدير دورهن بمؤشرات ذات دلالات نوعية تساهم في ترجمة هذا الدور إلى إنجازات سياسية واجتماعية وهذا يقتضي ضمان حق الترشيح والانتخاب للمرأة وحقها في المشاركة في تقلد الوظائف العامة والمشاركة في المستويات القيادية بالأحزاب والمؤسسات المجتمعية.مما يستدعي من المعنيين تكثيف حملات التوعية والتأثير والضغط بكل الوسائل الإعلامية والعملية من اجل الوصول إلي مشاركة حقيقية للنساء بالمعني السياسي والاقتصادي والمجتمعي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق